فصل: (سورة النساء: الآيات 172- 173):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النساء: آية 171]:

{يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)}

.اللغة:

(لا تَغْلُوا) لا تتجاوزوا الحد المعقول. وأصل الغلوّ في كل شيء مجاوزة حده. وغلا بالجارية عظمها ولحمها إذا أسرعت في الشباب فجاوزت لداتها، يغلو بها غلوّا وغلاء. ومن ذلك قول الحارث بن خالد المخزومي، وهي أبيات جميلة، يذكر فيها صاحبته وما مضى من أيامه وأيامها:
إذ ودّها صاف ورؤيتها ** أمنية وكلاهما غنم

لفّاء مملوء مخلخلها ** عجزاء ليس لعظمها حجم

خمصانة قلق موشّحها ** رود الشباب غلا بها عظم

وكأن غالية تباشرها ** تحت الثياب إذا صفا النجم

.الإعراب:

{يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} كلام مستأنف مسوق لتحذير أهل الكتاب من المغالاة. ويا حرف نداء وأهل الكتاب منادى مضاف، ولا ناهية وتغلوا فعل مضارع مجزوم بلا، وفي دينكم متعلقان بتغلوا.
{وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} الواو عاطفة، ولا ناهية وتقولوا فعل مضارع مجزوم، وعلى اللّه متعلقان بتقولوا، وإلا أداة حصر، والحق مفعول مطلق على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: إلا القول الحق، أو مفعول به لأنه تضمن معنى القول، نحو: قلت قصيدة {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} كلام مستأنف مسوق للتعريف بالسيد المسيح عليه السلام. وإنما كافة ومكفوفة، والمسيح مبتدأ وعيسى بدل منه، وابن مريم بدل أيضا أو صفة، ورسول اللّه خبر المبتدأ، وكلمته عطف على رسول، وجملة ألقاها حالية، ولابد من تقدير قد معها، والعامل في الحال معنى كلمته، لأن معنى الكلمة أنه مكون بها من غير أب. والى مريم جار ومجرور متعلقان بألقاها وروح عطف على كلمته، ومنه متعلقان بمحذوف صفة لروح، ومن لابتداء الغاية {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} الفاء الفصيحة، أي: فإذا كان الأمر كذلك فآمنوا باللّه إيمانا يليق به تعالى، باللّه جار ومجرور متعلقان بآمنوا ورسله عطف على لفظ الجلالة، والواو عاطفة، ولا ناهية، وتقولوا فعل مضارع مجزوم بها، وثلاثة خبر لمبتدأ محذوف، أي: ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة، وجملة آلهتنا ثلاثة في محل نصب مقول القول {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} الجملة مستأنفة، وانتهوا فعل أمر وفاعل وخيرا تقدم إعرابها قبل قليل، فجدّد به عهدا، ولكم متعلقان بـ {خيرا} {إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ} كلام مستأنف مسوق لتأكيد الوحدانية.
وإنما كافة ومكفوفة، واللّه مبتدأ وإله خبر، وواحد صفة {سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} سبحان مفعول مطلق لفعل محذوف، أي سبحه تسبيحا، وأن وما في حيزها مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض أي: من أن يكون، والجار والمجرور متعلقان بسبحان، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكون المقدم، وولد اسمها المؤخر، والجملة التنزيهية في محل نصب على الحال، أي: منزها {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} له متعلقان بخبر مقدم محذوف وما اسم موصول مبتدأ وفي السموات متعلقان بمحذوف صلة، وجملة الصلة لا محل لها من الاعراب، وما في الأرض عطف على ما في السموات، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل التنزيه، أي: إذا كان يملك جميع ما فيهما فكيف يتوهم حاجته إلى ولد {وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا} تقدم إعرابه كثيرا.

.الفوائد:

تعقب أحد الأذكياء اعراب قوله تعالى: {ثلاثة} فقال: ومن المشكلات أيضا قوله تعالى: {ثلاثة}، ذهبوا في رفع ثلاثة إلى أنها خبر لمبتدأ محذوف، والمعنى: ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، وهو أيضا باطل لانصراف التكذيب إلى الخبر فقط. وإذا قلنا: ولا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، كنا قد نفينا الثلاثة ولم ننف الآلهة، جل اللّه عن ذلك.
والوجه أن يقال: الثلاثة صفة المبتدأ الأخير، ولا تقولوا لنا آلهة ثلاثة، ثم حذفت الخبر الذي هو لنا حذفك لنا في قولك لا إله إلا اللّه فبقي ولا تقولوا: آلهة ثلاثة ولا إلهان، فصح الفرق.
ولا يخلو كلامه من ذكاء نادر، فتدبر ذلك واللّه يعصمك.

.[سورة النساء: الآيات 172- 173]:

{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (173)}

.اللغة:

{يسْتَنْكِفَ}: الاستنكاف: الامتناع من الشيء، أنفة وانقباضا منه. قيل: أصله من نكف الدمع إذا نحّاه عن خده بأصبعه حتى لا يظهر، ونكف منه أنف، وأنكفه عنه برأه. وفي المصباح: نكفت من الشيء نكفا من باب تعب، ونكفت أنكف من باب قتل، لغة.
واستنكفت إذا امتنعت أنفة واستكبارا.

.الإعراب:

{لنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ} كلام مستأنف مسوق لتقرير ما سبق من التنزيه، والمعنى لن يأنف المسيح ولا يتبرّأ من أن يكون عبدا للّه، ولا هو بالذي يترفع عن ذلك لأنه من أعلم خلق اللّه بعظمة اللّه، وما يجب له على العقلاء من خلقه من الشكر والعبودية، التي يتفاضلون بها. ولن حرف نفي ونصب واستقبال، ويستنكف فعل مضارع منصوب بها، والمسيح فاعل، وأن وما في حيّزها مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض، والتقدير: عن أن يكون..، والجار والمجرور متعلقان بيستنكف، وعبدا خبر يكون، وللّه متعلقان بمحذوف صفة لـ {عبدا}.
{وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} الواو عاطفة، ولا نافية، والملائكة عطف على المسيح، أو مبتدأ محذوف الخبر، أي ويستنكفون والمقربون صفة للملائكة.
{وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ} الواو استئنافية، ومن اسم شرط جازم مبتدأ ويستنكف فعل الشرط وعن عبادته متعلقان بيستنكف.
{فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} يجوز في الفاء أن تكون جوابا للشرط، والتقدير: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فيعذّبه عند حشره اليه، ومن لم يستنكف ولم يستكبر فيثيبه. ويجوز أن يكون الجواب محذوفا، أي: فيجازيه، ثم عطف عليه قوله: فسيحشرهم، والهاء مفعول به، واليه متعلقان بيحشرهم، وجميعا حال من الهاء، وفعل الشرط وجوابه خبر من {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} الفاء للتفريع، والجملة بعدها لا محل لها من الاعراب لأنها بمثابة الاستئناف، وأما حرف شرط وتفصيل، والذين اسم موصول مبتدأ، وجملة آمنوا صلة، وجملة عملوا الصالحات عطف على الصلة، والفاء رابطة، ويوفيهم فعل مضارع، وفاعله مستتر تقديره هو، والهاء مفعوله الأول، وأجورهم مفعوله الثاني، ويزيدهم عطف على فيوفيهم، ومن فضله متعلقان بيزيدهم، والجملة خبر الذين {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذابًا أَلِيمًا} الجملة معطوفة على ما قبلها وقد تقدم اعرابها، وعذابا مفعول مطلق، وأليما صفة {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} عطف على ما تقدم، ولهم جار ومجرور متعلقان بـ {وليا}، ومن دون اللّه متعلقان بمحذوف حال، ووليا مفعول به، ولا نصيرا عطف عليه.

.الفوائد:

استدل بهذه الآية القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء، وهم أبو بكر الباقلاني والحليميّ من أئمة الأشعرية وجمهور المعتزلة، وقرر الزمخشريّ وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغني من جوع، وأطال البيضاوي وابن المنير في الرد عليه. والمنصف يرى أن التفاضل في هذا الباب من قبيل الرجم بالغيب، إذ لا يعلم ذلك إلا بنص من الشارع، ولا نصّ. وليس للخلاف في هذا فائدة ولا عائدة في إيمان ولا عمل، ولكنه من توسيع مسافة التفرّق بالمراء والجدل.

.[سورة النساء: الآيات 174- 175]:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا (175)}

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} كلام مستأنف لتقرير ما انتهت اليه الأمور من إقامة الحجج الباهرة على المخالفين، وإهابة اللّه تعالى بالناس كافة إلى اتباع برهانه والاهتداء بالنور الذي جاء به.
وقد حرف تحقيق، وجاءكم برهان فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر، ومن ربكم متعلقان بمحذوف صفة لبرهان {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}
الواو عاطفة، وأنزلنا فعل وفاعل، وإليكم متعلقان بأنزلنا، ونورا مفعول به، ومبينا صفة {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ} الفاء للتفريع، والجملة لا محل لها، وأما حرف شرط وتفصيل، والذين مبتدأ، وجملة آمنوا صلة، وباللّه متعلقان بآمنوا، واعتصموا به عطف على آمنوا {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} الفاء رابطة لجواب أما وجملة يدخلهم خبر الذين، في رحمة متعلقان بيدخلهم ومنه متعلقان بمحذوف صفة لرحمة وفضل معطوف على رحمة {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا} عطف على يدخلهم، واليه متعلقان بمحذوف حال من {صراطا} قدم عليه، وصراطا مفعول به ثان ليهديهم، أو مفعول به لفعل محذوف دل عليه {يهديهم}، ومستقيما صفة.

.البلاغة:

المجاز المرسل في قوله: {في رحمة منه}، لأن الرحمة لا يحل فيها الإنسان، لأنها معنى من المعاني، وإنما يحل في مكانها وهو الجنة.
فاستعمال الرحمة في مكانها مجاز أطلق فيه الحالّ وأريد المحل، فعلاقته الحالية.

.[سورة النساء: آية 176]:

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}

.الإعراب:

{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} كلام مستأنف مسوق لذكر إرث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب. ويستفتونك فعل مضارع مرفوع وفاعل ومفعول به، وقل فعل أمر والفاعل أنت، واللّه مبتدأ ويفتيكم فعل مضارع ومفعوله، والفاعل هو والجملة خبر، وجملة اللّه يفتيكم في محل نصب مقول القول، وفي الكلالة متعلقان بيستفتونك على إعمال الأول، أو بيفتيكم على إعمال الثاني {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} كلام مستأنف لتفصيل الحكم. وإن شرطية وامرؤ فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وجملة هلك مفسرة لا محل لها وليس فعل ماض ناقص وله متعلقان بخبر مقدم محذوف، وولد اسمها المؤخر، والجملة صفة لامرؤ له متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وأخت مبتدأ مؤخر، والجملة حالية لأنها وقعت بعد واو الحال {فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ} الفاء رابطة لجواب الشرط، ولها متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ونصف مبتدأ مؤخر، وما اسم موصول مضاف اليه، وجملة ترك صلة، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط {وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ} الواو استئنافية، هو مبتدأ، وجملة يرثها خبره، وإن شرطية، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وهو فعل الشرط، ولها متعلقان بمحذوف خبر يكن المقدم، ولد اسمها المؤخر، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، أي فهو يرثها. {فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ} الفاء استئنافية، وإن شرطية، وكانتا فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والألف في {كانتا} اسمها، واثنتين خبرها {فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ} الفاء رابطة، ولهما متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والثلثان مبتدأ مؤخر، ومما متعلقان بمحذوف حال، وجملة ترك صلة، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفاعل ترك مستتر يعود على الأخ {وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الواو عاطفة، وإن شرطية، وكانوا فعل الشرط والواو اسمها وإخوة خبرها، ورجالا بدل من {إخوة} ونساء عطف على {رجالا} والفاء رابطة لجواب الشرط، وللذكر جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، ومثل حظ الأنثيين مبتدأ مؤخر والجملة في محل جزم جواب الشرط {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الجملة في محل نصب على الحال، ولك أن تجعلها مستأنفة بيانية، ويبين اللّه فعل مضارع وفاعل ولكم متعلقان بيبين، وأن تضلوا مصدر مؤول في محل نصب مفعول لأجله على حذف مضاف، أي: كراهية أن تضلوا، ومفعول يبين محذوف وهو عام، واللّه الواو استئنافية، واللّه مبتدأ وبكل شيء متعلقان بقوله: {عليم}، وعليم خبر {اللّه}.

.الفوائد:

اختتمت صورة النساء بذكر الأموال وأحكام الميراث، كما افتتحت بذلك، لتحصل المشاكلة بين المبدأ والختام. وتتلخص آيات المواريث في السورة بثلاثة:
1- الأولى في بيان إرث الأصول والفروع.
2- والثانية في بيان إرث الزوجين والإخوة والأخوات من الأم.
3- والثالثة وهي هذه الآية في إرث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب.
وأما أولو الأرحام فسيأتي حكمهم في سورة الأنفال. والمستفتي عن الكلالة هو جابر بن عبد اللّه لما عاده النبي صلى اللّه عليه وسلم في مرضه فقال: يا رسول اللّه، إني كلالة فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت.
نبذة من أقوال علماء اللغة في الكلالة:
قيل: إن أصل الكلالة في اللغة ما لم يكن من النسب لحّا، أي:
لاصقا بلا وساطة، وقيل: إنه ما عدا الوالد والولد من القرابة.
وقيل: ما عدا الولد فقط. وقيل الإخوة من الأم. وقال في لسان العرب عند ذكره وهو المستعمل: وقيل: الكلالة من العصبة من ورث معه الإخوة، ويطلق هذا اللفظ على الميت الذي يرثه من ذكر، وقيل:
بل على الورثة غير من ذكر، وقيل: على كل منهما. والمرجح هو القرينة. والجمهور على أن الكلالة من الموروثين من لا ولد له ولا والد. هذا وفي الكلالة أحكام مبسوطة في المطولات، ولا مجال لها هنا.
آخر آية أنزلت: روى الشيخان والترمذي والنسائي وغيرهم عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة سورة براءة، أي التوبة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: {يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة} أي من آيات الفرائض. وبهذا لا تنافي في ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت آية الربا. على أنه لا سبيل إلى القطع بآخر آية نزلت من القرآن، وإنما نقول: إن هذه الآية من آخر ما نزل قطعا، ويجوز أن تكون آخرها كلها، واللّه أعلم. اهـ.